يروي أحد العاملين في مراقبة الطرق السيارة “أنه في يوم من الأيام و فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي فهرعنا لمعرفة مصدر الصوت فوجدنا سيارة مرتطمة بسيارة أخرى في حادث لا يكاد يوصف. شخصان في السيارة الأولى في حالة خطيرة أخرجناهما و وضعناهما ممدين أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية فوجدناه قد فارق الحياة ، و عدنا للشخصين فإذا هم في حالة الإحتضار ثم سرع زميلي ليلقنهم الشهادة و لكن للأسف ألسنتهم ارتفعت بالغناء، أرهبني الموقف و كان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت أخذ يعيد عليهما الشهادة و لكن بدون جدوى، بدأ صوت الغناء يخفت شيئا فشيئا سكت الأول فتبعه الثاني وفارقو الحياة ،ثم قال لي صديقي لم أرى في حياتي موقفا كهذا . حملناهما في السيارة ،قال زميلي إن الإنسان يُختم له إما بخير أو بشر بحسب ظاهره و باطنه. تلك الحادثة تركت في نفسي صورة مغايرة للموت و إتعظت من الحادثة و صليت ذلك اليوم صلاة خاشعة.
وأضاف ” و بعد مدة حصل حادث عجيب شخص يسير بسيارته سيراً عادياً و تعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة، فنزل من سيارته لإصلاح العُطل في أحد العجلات ثم جاءت سيارة بسرعة فائقة و ارتطمت به من الخلف فسقط مصاباً إصابات بالغة فحملناه معنا في السيارة و قمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله.
إنه شاب في مقتبل العمر متدين يبدو ذلك من مظهره عندما حملناه و سمعناه يهمهم لكن لم نميز ما يقول، و عندما وضعناه في السيارة سمعنا صوتا مميزا إنه يقرأ القرآن و بصوت ندي، سبحان الله كأنه لم يصب بشئ رغم أن الدم غطى ثيابه و تكسرت عظامه بل هو على ما يبدو على مشارف الموت، إستمر و بصوت جميل في ترتيل القرآن و فجأة سكت، التفت إلى الخلف فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه قفزت إلى الخلف و لمست يده و قلبه ، لا شيء ، فارق الحياة نظرت إليه طويلاً سقطت دمعة من عيني أخبرت زميلي أنه قد مات و انهمر زميلي بالبكاء أما أنا فقد شهقت شهقة و أصبحت دموعي لا تقف، أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا و صلنا إلى المستشفى أخبرنا كل من قبلنا عن قصة الشاب .
الكثير تأثروا ذرفت دموعهم. أحدهم لما سمع قصته ذهب وقبل جبينه، الجميع أصروا على الجلوس حتى يصلَّى عليه، إتصل أحد الموظفين بمنزل المتوفى كان المتحدث أخوه قال عنه أنه يذهب كل إثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية كان يتفقد الأرامل و الأيتام والمساكين ،كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب و الأشرطة و كان يذهب و سيارته مملوءة بالأرز و السكر لتوزيعها على المحتاجين حتى حلوى الأطفال كان لا ينساها و كان يرد على من يثنيه عن السفر و يذكر له طول الطريق، كان يرد عليه بقوله أنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن و مراجعته و سماع الأشرطة النافعة و أنني أحتسب إلى الله كل خطوة أخطها .
يقول ذلك العامل في مراقبة الطريق كنت أعيش مرحلة متلاطمة الأمواج تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه بكثرة فراغي وقلة معارفي و كنت بعيداً عن الله فلما صلينا على الشاب و دفناه و أستقبل أول أيام الآخرة، استقبلت أول أيام الدنيا تُبت إلى الله عسى أن يغفر ذُنوبي و أن يثبتني على طاعته و أن يختم لي بخير .
