منهج الرسول في علاج الخلافات الزوجية

لو سلم بيت من الخلافات الزوجية لسلم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكرم خلق الله خُلقاً وأسمحهم وجهاً وأرقهم جانباً وأطيبهم معشراً، ونساؤه أمهات المؤمنين، عليهن رضوان الله، هن أكمل النساء خُلُقاً وأعظمهن محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحتراماً له وطاعةً لأوامره، وتطلعاً إلى رضاه، وابتعاداً عن عتبه وملامته.

وإذا كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلم من وجود خلافات بينه وبين زوجاته، فمن باب أولى أن لا يسلم من ذلك بيت من بيوت الناس.

ولذلك إذا استعرضنا المواقف الخلافية “بين النبي  وأزواجه فسنجد تصرفاته  نموذجاً ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يهتدوا به حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة..ومن ذلك:

1– احتواء المواقف:فعن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمُّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت فجمع النبي- صلى الله عليه وسلم- فِلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: “غارت أمُّكم” ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. و في رواية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام بطعام، وإناء بإناء.

وكذلك عندما  دخل الرسول  ذات يوم على زوجته (صفية بنت حيي) ـ رضي الله عنهاـ فوجدها تبكي، فقال لها:” ما يبكيك؟ قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي؛ فقال : قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى”..وهكذا نرى كيف يحل  الخلاف بكلمات بسيطة وأسلوب طيب.

2-قبول الوساطة:وكانت زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلمن ما لعائشة من قدرٍ عنده فكن أحيانًا يطلبن منها التوسط وكان يقبل هو هذه الواسطة “فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فِي شَيْءٍ فَقَالَتْ صَفِيَّةُ يَا عَائِشَةُ أَرْضِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيَفُوحَ رِيحُهُ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيَفُوحَ رِيحُهُ فَقَعَدَتْ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِلَيْكِ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَيْسَ يَوْمَكِ”، قَالَتْ: “ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ” وَأَخْبَرَتْهُ بِالأمْرِ فَرَضِيَ عَنْهَا”.‏

3- مراعاة المشاعر الإنسانية: عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة قالت: أرسل أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش، فاستأذنت، فأذن لها، فدخلت، فقالت: يا رسول الله، أرسلنني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قُحافة، قالت عائشة: ثم وقعت بي زينب، قالت عائشة: فطفقت أنظر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- متى يأذن لي فيها، فلم أزل حتى عرفت أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لا يكره أن أنتصر، قالت: فوقعت بزينب فلم أنشبها أن أفحمتُها. فتبسم النبي – صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: “إنها ابنةُ أبي بكرٍ”

4- الإعراض:عن عائشة في قصة الإفك في رواية البخاري “.. وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول : “كيف تيكم؟” فذلك يريبني…” فقد اكتفى الرسول بالإعراضِ وهجر الاسم.

5– النصح والموعظة:وأيضًا في قصة الإفك عندما بلغ الرسول مقالة ابن سلول قال لزوجه: “أما بعد، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله وتُوبي إليه فإنَّ العبدَ إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه”

6-الصبر على أذى زوجاته:كان رسول الله- صلى الله عليه و سلم- يصبر على أذى زوجاته وغضبهن عليه وهجرهن إياه ومراجعتهن له، فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: “كنا معشر قريش نغلبُ النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار، إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدبِ نساء الأنصار، قال: فصخَبتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولِمَ تنكر أن أراجعك؟ فوالله إنَّ أزواجَ النبي- صلى الله عليه وسلم- ليراجعنه، وإنَّ إحداهن لتهجره اليوم إلى الليل، قال: فأفزعني ذلك وقلتُ لها: قد خاب مَن فعل ذلك منهن، قال: ثم جمعتُ عليَّ ثيابي فنزلتُ فدخلت على حفصةٍ فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكُنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، قال: فقلت: قد خبتِ وخسرت، أفتأمنين أن يغضبَ الله لغضبِ رسوله- صلى الله عليه وسلم- فتهلكي؟…”

وعن النعمان بن بشير- رضي الله عنه- قال: استأذن أبو بكر- رضي الله عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم- وصوت عائشة عالٍ، فلمَّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين خرج أبو بكر: “كيف رأيتني أنقذتكِ من الرجل؟!”

7- الهجر والتخيير:عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يُؤذن لأحدٍ منهم قال: فأذن لأبي بكر رضي الله عنه، فدخل ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا.. قال: فقال: لأقولن شيئًا أُضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: “يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها، فوجأت عنقها”، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: “هن حولي كما ترى يسألنني النفقة”، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده؟! قلن: “والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبدًا ليس عنده”، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ﴾ من سورة الأحزاب الآية 28 حتى بلغ ﴿لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ قال: فبدأ بعائشة فقال: “يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك”، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها هذه الآية. قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالذي قلتُ.. قال:لا تسألني امرأةٌ منهن إلا أخبرتها، إنَّ الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا” .

8- الغضب إذا انتهكت محارم الله:قالت عائشة – رضي الله عنها-: “ما خُيّر النبي بين أمرين إلا اختارَ أيسرهما ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه واللهِ ما انتقم لنفسه في شيء يُوتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله”.

وقد أخرج الشيخان عن عائشة- رضي الله عنها- قالت دخل عليَّ – رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلمَّا رآه هتكه وتلوَّن وجهه وقال: “يا عائشة أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”، قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.

وعن عائشة قالت: قلتُ للنبي- صلى الله عليه وسلم- حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة.. فقال: “لقد قلت كلمةً لو مُزجت بماءِ البحر لمزجته”.

هكذا كان منهجه صلى الله عليه وسلم في علاجه للخلافات الزوجية .